27 - 09 - 2024

وجهة نظري | أزمة الشارع الإسرائيلى بين التسكين والتصعيد

وجهة نظري | أزمة الشارع الإسرائيلى بين التسكين والتصعيد

لجأ رئيس وزراء الاحتلال  بنيامين نتنياهو لسياسة التسكين وإمساك العصي من منتصفها في مواجهة الأزمة التي إندلعت احتجاجا على التعديلات القضائية. جاء قرار نتنياهو بتأجيل إقرار تلك التعديلات في محاولة لامتصاص غضب الشارع الذى أُعلِن بقوة من خلال مظاهرات حاشدة عن رفضه لتلك التعديلات والتي يراها تشكل تغولا للحكومة على السلطة القضائية وتسلب صلاحيات تلك السلطة، فخرج الآلاف معارضين لتلك التعديلات بل وللمطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو ورحيلها.

حاول نتنياهو الانحناء أمام عاصفة الغضب الشعبى بقراره تأجيل التعديلات، لكنه في نفس الوقت حاول إرضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة والمتحالفة معه من خلال إعلانه الموافقة على تشكيل مايطلق عليه "الحرس الوطنى"..

لم يكن الحل الذى طرحه بالطبع استجابة كاملة للضغط الشعبى وإنما بدا أقرب لمحاولة تسكين الأزمة من خلال الالتفاف عليها للتهدئة، وإن كان من غير المستبعد محاولة تمرير التعديلات المثيرة للجدل فيما بعد.

فلم يجرؤ نتنياهو على اتخاذ خطوة للخلف بالتراجع المحسوب عن إقرار التعديلات القضائية، إلا بعدما وافق على تشكيل الحرس الوطني إرضاء للأحزاب اليمينية المتطرفة.

جاء إعلان التشكيل بمثابة صفقة كشف عنها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتصريحه عن إتفاقه مع نتنياهو على تأجيل التعديلات القضائية مقابل التصديق على تشكيل الحرس الوطنى .

ويرجع ظهور مايطلق عليه الحرس الوطنى إلى حكومة رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، والذى أعلن في يونيو الماضى عن إنشائه بالاتفاق مع وزير الأمن الداخلى السابق عومر بارليف بعد اندلاع اضطرابات عام 2021 حينما خرج المحتجون من عرب 48 للدفاع عن أنفسهم عقب اعتداءات من المستوطنين عليهم. وكان الهدف من إنشائه أن يكون ذراعا للشرطة ويساند قوات حرس الحدود في القيام بمهامهما.

وتبلغ تكلفة إنشاء الحرس الوطني مايزيد عن 30 مليون دولار .. ويضم آلاف المجندين من المتطوعين وعناصر أمن وجنود سابقين بهدف ردع الاضطرابات العنيفة ومواجهة التهديدات الخطيرة كما يزعم القائمون على إنشائه.

 إلا أن حل التهدئة التي لجأ إليها نتنياهو لم يكن سوى مسكن ومحاولة للالتفاف وتمرير الأزمة وامتصاص الغضب، لكن الحقيقي أن الرماد الكامن تحت النيران المشتعلة لايزال يهدد بالخطر.

ليس فقط لأنه لجأ لترحيل الأزمة وعدم حلها بشكل جذرى فعمد إلى التأجيل وليس الإلغاء، وهو ما يعنى أن عاصفة أخرى يمكن أن تندلع إذا ما أثيرت القضية مرة أخرى وفتح الباب لإقرار التعديلات القضائية فيما بعد.

على جانب آخر جاء قرار نتنياهو بتشكيل الحرس الوطنى ليثير عاصفة أخرى من الجدل، وسط تخوفات وتحذيرات أن يتحول الحرس الوطنى لميليشيا مسلحة تهدد أمن إسرائيل بالخطر، خاصة و أنها تخضع لقيادة وزير الأمن القومي -اليمينى المتطرف - وتعمل تحت إمرته وهو من يشرف على توزيع المهام والصلاحيات والتعيينات وإعطاء الأوامر، فأطلق عليه البعض "جيش بن غفير الخاص" لأنه لايخضع لسلطات الجيش وهو ما يعرض - من وجهة نظرهم - أمن  إسرائيل لكارثة الاحتراب الداخلى.

بالطبع لايعنينا الاحتراب الداخلي الإسرائيلى - والذى لا ننكر أننا نتمناه - بقدر ما يعنينا أثر تلك الميليشيا على الشعب الفلسطيني، فمن المؤكد أنها تثير القلق والتخوف من استخدامها لتكون أداة أكثر قسوة لمواجهة الفلسطينيين والاعتداء عليهم وقمعهم واغتصاب مزيد من الأرض والثروات والحقوق.

لم تنته المعركة إذا، ولم يحسم الجدل ولم يتوقف الصراع، ويبدو أن فصولا أخرى ما زلنا في انتظارها أو هكذا نتمنى .. يحدونا تفاؤل بنبوءة أن إنهيار إسرائيل سيأتى من الداخل .. ليس فقط بالطبع بسبب تلك الأزمات المجتمعية، لكن أيضا بفعل المقاومة وإصرار أصحاب الأرض على استعادتها .إن غدا لناظره قريب وإن بدا بعيدا في عيون الآخرين.
---------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الاستغناء عن الحكومة